Wednesday, January 28, 2009

الشمس في يوم مش غائم

(1)
يوم الجمعة و بإصرار حزين طفقت اخرج رويدا رويدا اشق رحم الكون المترع بتكاثف الضباب و الأتربة في مدينة تأبي و ان تفسح مكانا لمزيد من البشر
أيمانا مني بحقيقة أكدتها لي التجربة بان الناس يوم الجمعة تجتاحهم حالة من الطيابة .. فيصبح القليلون اللذين يزرعون الطرقات غبارا في الصباح أكثر بشاشة ,واستعدادا للابتسام, أمام حياة متجهمة , النور في وجهها يزداد أفولا ساعة بعد أخري هؤلاء الطيبون يشمون رائحة الغريب .. و بدافع الفضول ربما او رقة مدخرة في ركن غير قصي من قلوبهم .. تجعلهم قابلون في صباحات الجمع لان يجيبوا اذا ما سئلوا .. بل و يمدون ايديهم في قلوبهم , يفكون عقدة الخرج المصرور علي القليل من المعاني الحلوة.. يكبشون منها و من الابتسامات و الوصفات السهلة المندورة لناس الجمعة .. يعرضون المساعدة لعابري السبيل والتائهين من أمثالي
(2)
تركت لها وجهي تقتات من تفاصيله كيف تشاء صورا بادي الحزن الجسور فيها متصلا بغير انقطاع ولا تقطير .. علّ شره فضولها بعد حين يدركه شبع ..او لعلها تمل هي بحيرتها التي كادت ان تخرجني عن طور الحزن فتضحكني فيتحول توجسها الي حقيقة مؤكده من اني احمل في وعاء عقلي غير قليل من اختلال او خبل
وبين زخات الاستحياء التي تواليني بها كلما باغتها - بتمرس قاهري- رادةً لها نظراتها المنسية فوق تفاصيلي بابتسامة ودودة بعدما التقطّــها من فوق ملابسي بطرفي إصبعين.. سألتها .. هي الأجرة كام ؟
أجابت وقد أشرق وجهها انتصارا 75 قرش.. فبسؤالي هذا قد انفتحت لها بوابات الحوار التي بدت أقفالها صدئه معصلجة
رددت لها الكرّة بتفرسي في الأخاديد المحفورة و المنتشرة بغزارة فوق بياض بشترها اللينة التي لم تستطع النيل من جمال يفترض بحسب قانون الطبيعة ان يكون قد ولي منزويا مستكينا بين تلك الشقوق المتقاطعة علي صفحة وجهها
النبــل البادي علي ملامحها يؤكده في عزة استقامة انفها ,و خضار معنيّ به جيدا ترعرع منتعشا زاهيا في حقل عينيها
ينفذ من بين تقاطعات الخيوط المنسوج منه ثوبها الأسود مكشكش الصدر رائحة شرش اللبن معجونا بما تسجله ذاكرتي من روائح تحت بند " طمي الأرض "
بس 75 قرش؟؟ قلت ذلك وقد تضامن حاجبي المرفوعان مع العبارة تأكيدا للتعجب في المعني المنطوق
هو ده بيروح الحرانية مش كده ؟؟ سألت مستفسرة.. وقبلما تأتيني من ايمائتها الإجابة كان الفتي علي يميني بصوت هادي رزين يؤكد لاحدي الراكبات التي تزامن مصادفة سؤالها مع سؤالي علي انها –أي السيارة -بتروح الحرانيه و الله

و استجابة للعمق اللافت في صوته تحول تجاهه ناظري لبرهة , لم تكن قط كافية لأقطع يقينا خلالها, بأن الجميل في وجهه هو الأنف المرتفع قليلا .. و ليس سمار البشرة او عسل العينين
ردني عنه شغفي برائحة الخصب عن يساري .. فعدت إلي جارتي اسألها .. هي الحرانية اخر الخط ؟فكأن الفتي لم يعجبه تحولي عنه فأجاب شادا خيوط الماريونت التي احكم لفها حول معصميه وترك نهاياتها مربوطة في كل طرف من أطرافي .. الأخر شبرا منت .. انتي عايزة تروحي فين في الحرانية

انتشلني من تلعثم في صوتي كاد ان يكون محققا "التباع", الذي طلب بحسم من الفتي ان ينزل لكي تتمكن السيدة السمينة و ابنتها التي تحتضن
رضيعا من الوصول للكنبة الخلفية دون عائق بشري يشع فــتوة ووسامة
(3)
فوق الخضار الممتد حقلا مثمرا, التابع لمدرسة ويصا واصف بالحرانية بدت الشمس أكثر سطوعا .. و الكون لا يتوقف عن إرسال الإشارات بان يوما جميلا سوف يقتصّ لي من الآلام التي اجتاحتني عاطفيا وبدنيا في الأيام القليلة الماضية و أردتني شبه قتيلة
(4)
بين وجوه الزملاء أتنقل بحثا عن الأقل فضولا لأوطن نفسي بجواره .. و بين الأمكنة عن الأقل إزعاجا, لاتخذه موضعا لم
يكن الرسم في هذا اليوم هو غاياتي .. فحاجتي الي البوح كتابة كانت قد تفاقمت بدرجة استحال معها تأجيل , فكان ان رفعت شعارا استعرته مؤقتا من صديق ..فأخذتُ "اكتب و اكتب و اكتب
وتجاهلت تماما إغراءات المكان التي لم تتوقف عن مراودتي مؤكده علي ان الجمعة هو اليوم المخصص للرسم..فأعدتُ صياغة الشعار ووجدتني لا اتوقف عن كوني "اكتب و اكتب و اكتب
(5)
تتلوي الحروف آلما تحت ثقل أصابعي ثم ما تلبث ان تفقد تماما السيطرة ,فتتخذ من آلامها مبرر لانتقام دموي يظهر في
تعاقب نقراتها الشرسة للحم الورق .. تغرس بوزها المدبب في أنسجته تشرب من دماؤه ثم تنفثها ً في وجه المعني , او تنفجر منتحرة فتتبعثر اشلائها كلاما نصف مقروء يستعصي علي الفهم..عن الشراكة ..و الحب.. و سطوة الاعتياد ..و كنز ايثاكا المزعوم

No comments: