Thursday, October 15, 2009

بـــــاب الحــــديد

يعلن مزيع المحطة بصوت شوش وضوحه تتابع دقات قلبي العنيفة وهاتف يرن بإلحاح فوق الطاولة المجاورة.. أن رصيف رقم 1 يستعد لوصول قطار قادم من مدينة تعشق رائحة البحر.. و البحر يعشق فاتنة في البلاد البعيدة !! هل قالها مزيع المحطة حقا ؟ ام فقط توارد الي خاطري هذه اللحظة بالزات ,المفعمة بالتفاصيل ,وجه امل دنقل و صوته الرخيم .. يتلو قصيدة .. مؤكدا علي روعة الأحِبة القادمين من الشمال الفسيح .. تمتزج انفاسهم برائحة اليود البكر و حبات الرمل الصغيرة و المطر

طاولة معدنية تستضيفني داخل كافيتريا تقدم شايا رديئا مصحوبا و بشكل اجباري بقطعة "جاتو" لم اغامر بتذوقها .. بل اكتفيتُ رأفةً بمعدتي التي يجتاحها منذ ايام شيء من ضجر, بإستراق نظرتين متتاليتين كانتا لي عون علي اتخاذ قرار هامٍ مفاده ..أنه مهما تأخر القطار الذي يقل "عزيز عيني" من مدينته المتلاحمة مع زبد البحر .. مقدما لي اياه كهدية صباحية رائعه , تزيد النهار تألقا و جمالا .. فإني سأكتفي بتحمل تبعات الانتظار و عناءاته خارج جدران هذا المكان .. وإن كان البديل المتاح في التاسعة من صباح الجمعة هو الجلوس فوق المقاعد الحجرية الباردة المصطفة فوق رصيف المحطة , تجاورني امتعة احدهم .. أو واقفة ككائن تتحقق ضألته بوضوح تحت الزرقة الفسيحة لجمالون محطة مصر .. يشملني الفراغ الممتد ككون أزرق , تتردد داخل أروقته من آن لآخر أصداء مكبرات الصوت , معلنة عن تتابع حالات القدوم والمغادرة.. ممزوجة بهمهمات البشر المنثورين فوق الارصفة و امام اكشاك الحلوي و الجرائد

الانتظار الانتظار الانتظار

بالإضافة الي ساعتين آخرتين تظهران علي شاشة هاتفين احملهما ..هناك الساعة المعلقة امامي فوق الجدار الممدود رأسيا بدرجة قد تفطن معه , ان إستمرار إستطالته هو أمر لا تظنه ينتهي
لا اكف عن ملاحقة الثواني البطيئة خلال ثلاثتهم في تتابع , كلاعب سيرك , تتبادل بين كفيه الامكنة .. لكرات ثلاث ملونة
اريد ان ارفع عيني الان لأجدة منتصبا امامي بجسده البازخ .. و جـِلدٌ لوَّحت بياضه زخات من شموس متوالية
فأنا يسعدني ان اكون الوجه القاهري الاول الذي يصافح التماعة عينية ,وابتسامته التي تحصرها مجموعة من الاقواس المتوالية يمينا و يسارا ممهدة الطريق لخدين تزيدهما الاستدارة المكتسبه حديثا نضجا و اغواء

القاهرة القاهرة القاهرة

تروقني وجوه القاهره علي تعددها , و تزاحم بعضها في مخالطته لبعضه الأخر .. صور متراكبة تتداخل في جمال احيانا , أو قد يفصح تتابع تكوينتها غير المنسجمة عن جوانب القبح والتشوه في الحالات الاكثر رسوخا في زاكرة تشاؤمية كالتي املكها .. تحتفظ بالألم , و الصور المزعجة اكثر من قدرتها علي تسجيل لحظات مفرحة
هكذا تسللت بعض الافكار المرتبكة الي رأسي المزدحم بفوضي الانتظار, حين وقع بصري غير المستقر مصادفة علي ضلفتي زجاج نصف مفتوح كمقدمة لشباك , في خلفيته مشهد غير واضح لميدان باب الحديد , تسرب الي من خلال ثغرات في التكوين الخشبي للشباك

مكالمه هاتفية اخيرة ..و بكلمات تقطر أحرفها المبللة زهورا .. انعم فيها بقدر وافر من عبارات الغزل "السينيه" التي انتجتها مخيلته الخصبة .. لتكون احرفها المغسولة في بحر استبدلت ملوحته بكميات مركزة من عطر الياسمين ..هي بمثابة الاعلان الاخير عن وصول قطار الاسكندرية الي رصيفه بمحطة مصر
حيث انا الحبيبة تنتظر بصبر لا يفرغ حبيب .. تـُمرغ وجهها في التماعة عينية,
وابتسامة عزبة ..تحيطها اقواس متوالية.. تمهد طريقاً لخدين .. تزيدهما الاستدارة المكتسبة حديثا نضجا و اغواء